& رفض الجديد &

& رفض الجديد &

( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) 2 – العنكبوت

لقد كانت ولا زالت من طبيعة البشر ان يعارضوا الدين الجديد وان يرفضوا ويقاوموا الرسل والأنبياء حين مجيئهم .وقد لاقى كل رسل الله وأنبيائه والمؤمنين الأوائل الرفض والإعراض وحتى الإضطهاد ، ولم يسلم أى منهم من هذه المعاملة :

( يا حسرة على العباد ما يأتيهم منرسول إلا كانوا به يستهزئون ) .3 يس

( فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلكم جاؤوا بالبينات والزبر والكتاب المنير ) 481- أل عمران

( كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ) 5 – غافر

وينبغى لنا ان نتفكر قليلاً فى أسباب هذاالإعراض والرد على الرغم من دلائل المبعوثين الوفيرة وبراهينهم وبالرغم أيضاً من ان أتباع الأديان التى سبقت كانوا فى أغلب الأحيان فى إنتظار وترقب لمجئ الموعود ويدعون الله بحرارة وحرقة ان يعجل قدومه .

وعندما نقرأ فى الكتب المقدسة لهذه الأديان وخاصة فى القرآن الكريم – ( ولقدر معين أيضاً فى كتب التاريخ ) ، نجد بعض الأدله والتلميحات عن أسباب إعتراضات الناس وإغماضهم . والأمل هنا أن يكون فى إدراكنا وفهمنا لهذه الأسباب مانعاً لتكرار تلك الأغلاط والأخطاء والخطايا التى لعنا بها الأقوام السالفة.

وربما كان أحد هذه الأسباب هو خوف الناس ووجلهم من أن يقعوا فريسة للمدعين والأنبياء الكذبة كالمسيح الدجال مثلاً يضلونهم الطريق ويخدعونهم، ولكن المهم هنا أن لاندع هذا الخوف يمنعنا عن معرفة المبعوث الحق ، وأن نحترز من أن نرمى القمح مع القشرة أو الجيد مع الخبيث

ونرى أن أكثر الناس فشلوا مرة بعد أخرى فى الإمتحانات الإلهية ولهذا لم يؤمنوا وأعرضوا عن طلعات الجمال الإلهى ، ويبدوا أن هذه الإمتحانات لابد منها لكى يتبين المؤمنون الحقيقيون ممن يدعى الإيمان بالاسم :

( ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ) 2 ( الملك )

( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتننون ) 2 ( العنكبوت )

ومن إمتحانات الله ما يدعى باللغة العربية ب ” البداء ” كما حصل فى زمن نوح ( ع ) حينما إمتحن الله العباد ومنهم عائلة نوح نفسه ، فحتى إبنه تركه ولم يصدق به بعدما تكرر وعده لأصحابه بالنصر ، ووعيده وتحذيره للمعرضين كرة بعد كرة بعذاب الله وقدوم الفيضان دون أن يتحقق ذلك أو تأتى المياه إلى أن تركه أكثر القوم ولم يعودوا يصدقوا به وسخروا منه :

( ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ) 38 ( هو د ) .

وفى الأخير عندما جاء الفيضان بالفعل ، لم ينج منهم سوى أقل القليل من الذين إستقاموا فى إيمانهم .

وفى زمن موسى ( ع ) فشل أهل زمانه من فرعون وأتباع فرعون فى إمتحان من نوع آخر عندما ولوا عنه لكون حضرته كان قد قتل شخصاً قبل أن يبعثه الله رسولاً ولما جاء ليدعو فرعون إلى دين الله خاطبه فرعون قائلاً :

( قال ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين 18 وفعلت فعلتك التى فعلت وأنت من الكافرين ) 19 ( الشعراء )

وفى عهد عيسى عليه السلام كان من ضمن الإمتحانات التى أبتلى بها الناس أن والدة حضرته لم تكن قد تزوجت بعد ، حينما حملت به .

وفى أيام الرسول محمد ( ص ) كانت الإمتحانات عديدة ومنها كان تغيير إتجاه القبلة إلى الكعبة المشرفة بعد أن كانت نحو البيت المقدس لأكثر من ألفى عام ، وكان ذلك لكى يفرق بين الذين إتبعوه وبين المترددين .

( وما جعلنا القبلة التى كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم ) 143 ( البقرة )

والآن لننظر ، فهل لم يكن فى قدرة الله سبحانه أن يعصم موسى ( ع ) من الخطأ أو أن يبعث عيسى ( ع ) من عائلة أخرى أو أن يبعث الفيضان فى موعده وينصر أصحاب نوح ( ع ) عاجلاً ؟ فتعالى سبحانه عز وجل .

ومن جملة الأسباب الأخرى فى رفض الناس للأنبياء ومعاداتهم هو أنه كان صعباً على الناس أن يروا أحداً منهم ومن بين ظهرانيهم ، عرفوه منذ طفولته ورأوه واحداً مثلهم يأكل ويشرب ويجوع ويعيى ويمشى وينام ولا فرق بينه وبينهم ، ويروه طيلة حياته من غير سلطة أو ثروة ، ثم يأتيهم بنبأ عظيم لا طاقة لهم بسماعه :

( وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ) 7 ( الفرقان )ً

وليس هذا فحسب ، بل كان هؤلاء الرسل قد قاموا بتغيير تبديل الكثير مما كان عزيزاً على القوم وحللوا هذا وحرموا ذاك مما أدى بالناس إلى محاربتهم وإضطهادهم :

( أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم إستكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون )87 (البقرة)

بينما يليق بكل من آمن بالله أن يعترف ويقر بأن الله ” يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ” وأن كل الأوامر والأحكام الإليهة هى فى الحقيقة لأجل مصلحتنا ولأجل صوننا وحفظنا ، ولوأراد الله أن يغير بعض أحكامه حسب مقتضيات الزمن ، فهو لأجل منفعتنا نحن ، فهو لا حاجة له بنا ولا تربحه عبادتنا أو يضره إعراضنا وهو غنى عن العالمين :

( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير ) 106 ( البقرة )

والآن نأتى إلى ما قد يكون واحداً من أهم أسباب الإعراض والإنكار لمشارق الوحى والإلهام وهو مقاومة ومعاندة ذوى السلطة الدينية من رجال عصرهم من كهنة ورهبان وقساوسة وفقهاء وغيرهم من رجال الدين .

وسواء كان ذلك لحب السلطة والرئاسة ولحفظها والتمسك بها ، أم عن جهل وعدم إدراك ، أم لفهم وتفسيرخاطئ لآيات الله من المتشابهات ، كان هؤلاء على الدوام من أهم دوافع إعراض العباد . وكان مركزهم العالى فى المجتمع وقوة سلطتهم من جهة ، وجهل أكثر الناس وإنقيادهم لهم كالأغنام من جهة أخرى ، سبب وقوعهم فى حفرة النار وتيههم فى بادية الخطأ :

( وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا 67 ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ) 68 _ ( الأحزاب)

(وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) 116 ( الأنعام )

وعرفنا عن مخاطر تفسير الآيات المتشابهات وعن تحذير الله وعن منعه العباد عن ذلك .وكم من علماء اليهود والقساوسة ومبشرى الإنجيل تطاولوا على الرسول فى خطبهم وكتبهم وقصصهم عن رسوله . فكم من الأحرى بنا هذا اليوم أن نحذر وقوعنا فى نفس المصيدة وأن لا نتبعهم فى خطاهم المضله وهذا الذى حذر منه رسول الله ( ص ) فى قوله :

( حدثنا سعيد بن أبى مريم حدثنا أبو غسان قال حدثنى زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن – ( البخارى – 3197 وأيضاً فى صحيح مسلم )

وهذا التقليد يشمل تقليد الآباء والأجداد أو إتباع دينا ما مجرد بسبب وراثته عنهم .

ويليق بالمؤمن والمؤمنة الحقيقيين من أتباع أى ديانة أن يستطيعوا الإجابة فى أنفسهم لهذه الأسئلة :

* هل كنت سأصبح فى كل الأحوال من أتباع هذا الدين لو لم أولد لهذين الأبوين أو ولدت فى بلد آخر فى جهة أخرى من العالم أو قارة أخرى ، أو كان تعليمى مختلف طيلة حياتى ؟

* ماذا كان سيحصل لى لو ولدت فى زمان آخر أومكان آخر ولم تتح لى الفرصة على الإطلاق حتى أن أسمع بهذا الدين ؟

* هل رضاء الله وإحسانه يعتمد على جهدى وسعيى أنا فى معرفته ومعرفة ارادته ، أم على مكان وزمان وظروف ولادتى ؟

ونعود لذكر بعض الأسباب الأخرى التى أدت إلى إنكار الأنبياء ، ومنها إعتراض الناس على أشياء لا تطابق مقاييسهم وموازينهم التى إعتادوا عليها مثل قواعد اللغة والكلمات ، وازنين كتاب الله بموازينهم حينما يجب أن يوزن كل شئ طبقه .

وكذلك إعترضوا عليهم عندما لم تنطبق العلامات والوعود ظاهرياً وحرفياً حسب تصوراتهم ، فرفض اليهود عيسى ( ع ) عندما لم يحكم بعصاً ( صولجان ) من حديد ( أى لم تكن له سلطنة ظاهرية ) ، وإعترضوا عليه لكونه أتى من مدينة بيت لحم عوضا عن أن يأتى من ” مكان غير معلوم ” حسب نبوءاتهم فسخروا منه ووضعوا على رأسه المبارك تاجاً من الشوك وساقوه فى الطرق والأسواق لأنهم كانوا يترقبون ملكاً يخلصهم من ظلم قيصر .

ومن الأسباب الأخرى ، عدم فهم الناس للأمثال والتشبيهات والقصص فى إشاراتها إلى حقائق روحانية مثل إشارة المسيح ( ع ) إلى قدومه من السماء ، أو إشارته إلى الآب السماوى فظنوا أنه يتكلم عن إبوة من نوع آخر ، وكذلك فسروا قصص بداية الخلق حرفياً على مدى إدراكهم ، وصعب عليهم إدراك العلاقة بين الرسل وبين الله.

( أو ما اتهموا به بهاء الله من إدعاء الربوبية فى حين أن كل من يقرأ أدعيته يرى عظم عبوديته للخالق ) .

والإعتراضات كثيرة ولم نذكر منها سوى القليل ، ولكن طالب الحقيقة يجمل به أن يتأمل فى هذه الأسئلة :

1 – إن لم نكن دائماً على وعى وعلى حذر ، أليس من الممكن أن نعيد نفس أغلاط السالفين الذين إضطهدوا ورفضوا رسل الله ، فنصبح بذلك مستحقين لقهره وعقابه ؟

( … وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ) 15 ( الإسراء )

2 _ هل نجح أولئك فى إطفاء نور الله وفى إيقاف تقدم أمره ودينه ، أم هل كانت أعمالهم فى الحقيقة ، سبباً لعلو وإنتشار الدين الجديد ؟

وإلى اللقاء قريباً مع أطيب المنى وأرق تحياتنا ،،،

ً

أضف تعليق